وضع داكن
11-09-2025
Logo
مدارج السالكين - الدرس : 094 - عبادتي النظر والذوق
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 

معرفة الله وطاعته ملخص الدين كله:


أيها الإخوة الكرام؛ مع الدرس الرابع والتسعين من دروس مدارج السالكين، في منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين، وكان الحديث في الدرس الماضي عن عبوديات الجوارح، فكل جارحة لها عبادة، وبينت في مقدمة الدرس أن العبادات تشمل كل الحياة، وكل الأوقات، وكل الأماكن، وكل النشاطات، وكل النواحي، أي كيان الإنسان مرتبطٌ بالعبادة، لأن علة وجود الإنسان على وجه الأرض عبادة الله عز وجل، والعبادة معرفة وطاعة، أنت إن فكرت في خلــق السماوات والأرض عرفته، وإن عرفت منهجه أطعته، فيمكن أن يُلَخَّص الدين كله في كلمتين، معرفته وطاعته، توحيده وعبادته، أن تؤمن به، وأن تتقرَّب منه.
 

النظر الواجب:


الحديث اليوم عن النظر، قلت: النظر الواجب النظر في المصحف، وفي كُتُب العلم، أي هذه العين سُمِّيَت كريمة، لعلها أكرم عضوٍ في الإنسان، أية عينٍ تغضُّ عن محارم الله، أو تنظر إلى آيات الله، في الأعم الأغلب أن الله يحفظها لك، وترثك ولا ترثها، ومن أدعية النبي عليه الصلاة والسلام:

(( عن ابْنَ عُمَرَ قَالَ: قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتَّى يَدْعُوَ بِهَؤُلاءِ الدَّعَوَاتِ لأَصْحَابِهِ: اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لا يَرْحَمُنَا. ))

[ صحيح الترمذي ]

ترثنا ولا نرثها،

(( عن معاوية بن حيدة وابن عباس وأبي ريحانة وأبي هريرة وأنس بن مالك: عين غضت عن محارم الله، ثلاثَةٌ لا تَرَى أَعْيُنُهُمُ النارَ يومَ القيامةِ: عَيْنٌ بَكَتْ من خَشْيَةِ اللهِ، وعَيْنٌ حَرَسَتْ في سبيلِ اللهِ، و عَيْنٌ غَضَّتْ عن مَحارِمِ اللهِ. ))

[ صحيح الترمذي ]

هذه العين في الأعم الأغلب الله جل جلاله يحفظها للمؤمن.
 

أحد أنواع الشكر أن تستخدم الجوارح في طاعة الله:


إذا نظرت في المصحف فهذه الجارحة الثمينة تستخدمها في طاعة الله، هذه العبادة أو هذه الجارحة الثمينة أحد أنواع شكرها أن تستخدمها في طاعة الله، لو وسَّعنا هذه الحقيقة، اليد ينبغي أن تستخدمها في طاعة الله، فلا تصافح بها امرأةً لا تَحِلّ لك، ولا تُمسك بها شيئاً محرماً، ولا تعتدي بها على الآخرين، فالمؤمن يستخدم يده في طاعة الله، ويستخدم رجله في طاعة الله؛ يمشي بها إلى المساجد، وإلى الطاعات، وإلى إصلاح ذات البيـن، وإلى صلة الرحــم، وإلى كل عملٍ طيب، المؤمن يستخدم كل أعضائه، بل إن المؤمن يستخدم تفكيره في الخير، لا يُفكِّر في معصية، لا يُفكِّر في عدوان، فالمؤمن يستخدم فكره، وعينه، وسمعه، وبصره، ولسانه، ويده، ورجله في الحق.
إذاً أحد أنواع الشكر أن تستخدم هذه الجارحة في طاعة الله تعالى، بل إنه حينما تُستخدم الجارحة في معصية الله تعالى فهذا نوعٌ من كفر النعمة، تستعين بنعمه على معصيته.
 

الإنسان في قبضة الله عز وجل فكيف يعصيه؟!


قصة رويتها لكم من قبل أن إنساناً سأل شيخه: ائذن لي أن أعصي الله، سؤال غريب جداً، يبدو أن شهوته عارمة، وأنه أضعف من أن يقف في وجه شهوته، فسأل هذا الشيخ، قال له: خمسة أشياء إن فعلتها لا تضرك معصية، قال: وما هي؟ قال: إن أردت أن تعصيه فلا تسكن أرضه، قال له: وأين أسكن إذاً؟! قال له: تسكن أرضه وتعصيه؟! أي ممكن أن تزور إنساناً وفي بيت هذا المُضيف تضرب ابنه؟ ممكن؟! في بيت المضيف، في البيت الذي استقبلك، وأكرمك، وقدم لك الطعام والشراب تضرب ابنه؟ قال: هاتِ الثانية، قال: إن أردت أن تعصيه فلا تأكل من رزقه، قال: وماذا آكل إذاً؟ قال: تسكن أرضه، وتأكل رزقه، وتعصيه؟! أحياناً إنسان يشرب الخمر، معه مال يشتري الخمر، ويأكل ويشرب، فيأكل رزق الله ويعصيه، قال له: هاتِ الثالثة، قال له: إن أردت أن تعصيه فابحث عن مكان لا يراك فيه، قال له: وكيف وهو مع الخلق كلهم؟! قال له: تسكن أرضه، وتأكل رزقه، وتعصيه وهو يراك؟! قال له: هاتِ الرابعة، قال له: إن جاءك مَلَك الموت فلا تذهب معه، قال له: لا أستطيع، أعاد له الأربعة: تسكن أرضه، وتأكل رزقه، وتعصيه، ولا تستطيع أن تتفلت من مَلَك الموت؟!! قال له: هات الخامسة، قال له: إن جاءك الزبانية إلى النار فلا تذهب معهم، فالإنسان في قبضة الله عز وجل فكيف يعصيه؟
 

الأمانة شيءٌ جُعِلَ تحت سيطرة الإنسان كي يؤديه إلى صاحبه كاملاً مُكَمّلاً:


قال: يمكن أن تنظر إلى الشيء كي تُميِّزه حلالٌ أو حرام، ممكن، طبعاً العلماء يبينون تفاصيل عبادة هذه الجارحة الثمينة، الآية الكريمة المتعلقة بالأمانات:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)﴾

[ سورة النساء  ]

والآية واسعة جداً، الأمانة شيءٌ أُودِع عندك، شيءٌ جُعِلَ تحت سيطرتك، شيءٌ جُعِل في تصرُّفك، ينبغي أن تؤديه إلى صاحبه كاملاً مُكَمّلاً، لو وسعنا هذه الآية: جسمك أمانةٌ بين يديك، عليك أن تعتني به، كي يعينك على طاعة الله، وكي تصل به إلى دار السلام بسلام، أما الذي لا يعتني بجسمه، أو يُحَمِّله ما لا يطيــق، ويصاب بالعطب والعطل، عندئذٍ يكون قد خان الأمانة، الآن زوجتك أمانةٌ ينبغي أن تأخذ بيدها إلى الله عز وجل، أولادك أمانة ينبغي أن تدلّهم على الله.
الآن أنت لك عمل، أنت مُعَلِّم، طلابك الذين هم في الصف أمانةٌ في عنقك، ينبغي أن تُعَلِّمهم علماً صحيحاً، وأن تربِّيهم تربية صالحة، فصار جسمك أمانة، زوجنك أمانة، أولادك أمانة، حرفتك أمانة، أنت طبيب، المريض أمانة، سلَّمك نفسه، ووثق بك، ويأتمر بأمرك، كُلْ هذا الطعام، تأكل، اشرب هذا الدواء، تشرب، ابتعد عن هذا، تبتعد، فإن أهملت أن تنصحه، لم تقدم له التعليمات الدقيقة، لم تتأكد من حالته الدقيقة، لم تتأكد من بعض ظروف حياته، وكان وصفك للدواء غير دقيق، فإذا أصاب جسمه العطب فأنت مسؤول، أنت حينما تشعر أن الله سيسألك عن كل شيء تنجح في علاقتك مع الله، فالمريض أمانة.
أنت محامٍ، الموكِّل أمانة، هو لا يعرف بالقوانين، أنت قلت له: الدعوى رابحة، صدقك، قلت له: ائتني بدفعة، أعطاك، قلت له: القضية سهلة، الحق معك، والاجتهاد القانوني معك، محكمة النقض معك صدقك، وتعلم أنت أنك لن تستطيع أن تأخذ له حقَّه، أو هذه الدعوى ليست رابحة، لأنه يوجد مواد بالقانون ليست في صالح موكلك، ولم تقل له ذلك، وجعلته يعيش سنوات وسنوات في طمأنينة، ثم فوجئ بأن القاضي حكم عليه، وخسر البيت، فأنت خنت الأمانة، إذا فهمنا الأمانة بهذا المعنى كنا في حال غير هذا الحال.
هذا الذي يصنع مواد غذائية، محاسب عن كل مادة ضارة تؤذي المسلمين، كثير من الأشياء مربحة لكنها مؤذية، تحقق لك ربحاً كبيراً، لكنها تؤذي صحة المسلمين، فهؤلاء المسلمون الذين يشترون من عندك الخبز هم أمانةٌ في أعناقك.
سمعت عن خبز معيَّن، يحتاج إلى مادة ثمن الكيلو خمسة آلاف ليرة، هناك مادة مسرطنة وسامة، رخيصة جداً، تستخرج من النشاء، الكيلوغرام منها أقل من خمس ليرات، فضبطت بعض الأفران في دمشق تضع المادة الرخيصة، مادة سامة مسرطنة، من أجل أن يحقق ربحاً كبيراً، وأن يوفر هذا المبلغ الكبير لم يعبأ بصحــة الناس، إذاً هؤلاء الذين يشترون عندك أمانة، المرضى أمانة بعنق الطبيب، والموكِّلون أمانة بعنق المحامي، والطلاب أمانة بعنق المدرس، وهذا الشاري أمانة بعنق هذا البائع، وقد يكون الدواء قد انتهى مفعوله، وثمنه ثمانمئة ليرة، فأنت لم تنبِّه هذا الشاري الجاهل البسيط الساذج، بعت له الدواء، وتناوله، هو منته مفعوله،  فالحقيقة الدين هنا يظهر: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ والعلماء قالوا: الأمانات جاءت جمعاً، ليفيد الجمع أن الإنسان في عنقه مئات الأمانات وآلاف الأمانات.
 

تعريف الدين:


سئل عليه الصلاة والسلام: ما الدين؟

(( عن تميم الداري: الدِّينُ النَّصِيحَةُ: قُلْنا: لِمَنْ؟ قالَ: لِلَّهِ ولِكِتابِهِ ولِرَسولِهِ ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وعامَّتِهِمْ. ))

[  صحيح مسلم  ]

من التعريفات الجامعة المانعة الدين هو النصيحة، أن تنصح إنساناً، أن تنصح عامَّة المسلمين، أن تنصح أئمَّتهم، أن تنصح لكتاب الله، أن تنصح لسُنَّة رسول الله، أن تنصح لله عز وجل. 

النظر المباح:


أيها الإخوة؛ النظر المباح أن تنظر في آيات الله الدالة على عظمته، قد تنظر إلى وردةٍ فتسبِّح الله، وقد تنظر إلى جبلٍ شامخ فتعظِّم الله، وقد تنظر إلى بحرٍ هادئ فتسبح الله أيضاً، فالنظر إلى الآيات الكونية أحد أسباب تعظيم الله عز وجل، والنظر إلى نباتٍ يسبح الله، تُسبِّح الله معه أنت، النظر إلى من يحل لك أيضاً مباح، وبالعكس هذا شيء أباحه الله لك، النظر إلى المصحف هذه عبادة، النظر في كتب العلم طلب علم.
 

النظر المكروه:


قال: هناك نظـر مكروه، فضول النظر، كأن يرى إنسان مركبة فخمة جداً حديثة، واقفـة بمكان ما، يتأمل فيها، ينظر إلى مكان السائق، إلى أجهزتها، استغرق فيها استغراقاً، هذا اسمه فضول النظر، وقد ورد في بعض الأثر أنه يبذر الهوى، التأمُّل والمبالغة في التأمل، استيعاب الشيء والتدقيق به، هذا يبذر في قلبك محبَّته، والإنسان يعيش في حياته أياماً معدودات، الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يومٌ انقضى بضعٌ منه، لذلك فضول النظر الذي لا مصلحة لك فيه، أي قد تكون قصة، قد تكون تافهة هذه القصة، لا ترقى بك، قصص واقعية فيها تصوير لسقوط الإنسان، مثل هذه القصة لا ترقى بك، فانظر إلى شيءٍ تنتفع بـه، هذا سمَّاه العلماء: فضول النظر، كما أن هناك فضولاً للكلام، هناك فضول للسماع، هناك فضول للنظر، والنبي عليه الصلاة والسلام قال:

(( مِن حُسنِ إسلامِ المرءِ ترْكُهُ مالا يَعنيهِ. ))

[  شرح الطحاوية: صحيح  ]

وطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وفضول النظر فيه عملية طابع حشري، أي تنظر.
 

فضول النظر:


مرة زار شخص مكاناً، وجد كتاباً فتحـه، وجد أشياء رفعها، سبحان الله شعرت أن هذا الإنسان بعيد عن أدب النبي عليه الصلاة والسلام، دفتر فتحه، كتاب فتحه، ورقة قرأها، الإنسان لا ينظر لشيء ليس له بفضول، تمسك ورقة، فتجد رجلاً بجوارك يقرأ معك، تفتح أحياناً دفتراً وأنت راكب في سيارة، جارك يمعن النظر في دفترك، الكمبيوترات الحديثة فيها مستوى أعلى، إذا كنت تركب في طائرة، وتستخدم هذا الكمبيوتر، لا يقدر جارك في المقعد أن ينظر، لأن الشاشة لا تظهر إلا بالنظرة القائمة على سطحها، إذا كانت الشاشة أمامك مباشرةً تقرؤها، أما إن نظرت إليها جانبياً لا تقرؤها، هذا من أجل فضول النظر، إياكم وفضول النظر، إنسان وجد دفتر حسابات يقوم وينظر به، دفتر مذكرات يقرأ رأساً، جالس عند ضيف بمكتب تجاري، جالس بمكان يحب أن يفهم كل شيء، أينما جلس يقرأ، هذه ليست مطالعة، هذه سلوك حشري والنبي نهى عنه، نهى عن فضول النظر، هناك فضول نظـر وجد حركة فنظر، أنت جالس ببيت، سمعت مشية، والنافذة مفتوحة قليلاً، نظرت ماداً رأسك لترى، فإذا بامرأة  ليست منتبهة، مادام هناك حركة فغضّ البصر، حتى النبي علمنا إن وقفنا أمام الباب أن نعطي ظهرنا للباب، تجد إنساناً لم يتأدب بأدب رسول الله، يطـرق الباب، يقف أمام الباب مواجهةً، إذا امرأة فتحت، رآها كما هي، أما المؤمن يقف ويعطي ظهره للباب، هذا من أدب رسول الله، وقد علَّمنا هذا صلى الله عليه وسلم، قال: كان بعض السلف يكره فضول النظر كما يكره فضول الكلام.
 

أحكام الدين:


نحن كما تعلمنا يوجد عندنا فرض أو واجب، عندنا مستحب، عندنا مباح، عندنا مكروه، عندنا محرم، ما من حركة ولا سكنة إلا يجب أن تندرج تحت أحد هذه الأحكام الست، فرض أو واجب، مستجب أو سنة، مباح، مكروه، مُحرم، عوِّد نفسك أن كل شيءٍ تفعله لابدّ من أن يندرج تحت أحد هذه الأبواب، فالعين لها أن تنظر إلى سجادة، مباح، لا يوجد أذى، ولا يوجد نفع، إن نظرت إلى شيءٍ خلقه الله عز وجل، وكانت هذه النظرة سبباً لمعرفة الله صار هذا نظراً واجباً:

﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)﴾

[ سورة يونس ]

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24)﴾

[ سورة عبس ]

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6)﴾

[ سورة الطارق  ]

فهناك أمر، النظر إلى آيات الله فيها أمر، النظر إلى شيءٍ أباحه الله لك وفيه سرور، قد يكون سُنَّة، النظر إلى شيء عادي لا تنتفع من النظر إليه، ولا تتأذَّى من عدم النظر إليه هذا مباح، أما النظر إلى شيء جميل، وهذا الشيء لا تملك ثمنه، واستغرقت فيه، وتمنيت أن تملكه، هذا شيء مكروه، فضول النظر مكروه.
 

ما يحرم النظر إليه:


أما الشيء المحرَّم فهو النظر إلى العورات، العلماء قالوا: العورات نوعان؛ عورةٌ وراء الثياب وعورةٌ وراء الأبواب، الآية الكريمة:

﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)﴾

[ سورة النور ]

يوجد بالآية شيء رائع جداً، من هنا للتبعيض، فأنت مكلف أن تغضّ البصــر، ولكن أحياناً تنظر فجأة إلى امرأة، طريق منعطف حاد تمشي في هذا الطريق، فلما بلغت المنعطف رأيت امرأة أمامك، وقع نظرك عليها النظرة الأولى ولا حدّ لأقلها أي كلمح البصر، هذه لك، والثانية عليك: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ من تفيد التبعيض، قد لا تستطيع أو قد تلمح امرأة دون أن تريد، فهذه تنطوي تحت قوله تعالى: ﴿يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ .
هناك نوع ثانٍ: الإنسان لو نظر إلى ابنته، أو إلى أخته، أو إلى عمته، أو خالته، أو إلى أمه، يجب أن يغضّ بصره كيف؟ ينظر إليها عادي، أما يوجد نظر مع تدقيق، مع تتبع التفاصيل، مع تتبع خطوط الجسم، هذا منهي عنه للمحارم، لك أن تنظر إلى ابنتك نظرةً عامة، أما خطوط جسمها بالضبط مثلاً هي مضجعة، هي جالسة، هي تصعد إلى درج، هذا لا يجـوز، من أدب النظر إلى المحارم أن تنظر نظرةً إجمالية، ولا شيء عليك بها إطلاقاً، بالعكس مباحة، أما التدقيق في النظر، وفي تتبُّع خطوط الجسم، وفي تتبُّع حالات الجسم في كل حركاته وسكناته، هذا منهي عنه، وينضوي تحت قوله تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ أي أن ينظروا إلى محارمهم نظرة إجمالية شاملة دون أن ينظر إلى التفاصيل، فرضاً لو جئنا بتفاضيل؛ إحدى محارمك تصعد درجاً، لا ينبغي أن تنظر إليها من ورائها، قد تكون أختك، أمك، ابنتك، انحنت فرضاً وقميصها ليس ضيقاً، مفتوحاً، لو نظرت وهي منحنية، قد تنظر إلى صدرها، آتيكم بالتفاضيل، فالمؤمن لا ينظر إلى محارمه إلا نظرةً إجمالية، لا يتتبع ما ينبغي ألا تكشفه، لا يدخل على إحدى محارمه فجأة من غير استئذان، ولو أنها أمه، قال: إنها أمي يا رسول الله!! قال له: أتحب أن تراها عريانة؟ وإذا أمك؟ الأم لها حرمة، الأم والأخت والبنت والعمة والخالة، فهذا معنى آخر للغض من البصر، ينبغي ألا تنظر إلى محارمك إلا بثياب الخدمة، ما يجري في البيوت الآن-والعياذ بالله-الأخت تبدو أمام أخيها بثياب شفافة، يقول لك: هذا ثوب نوم، هذا ممنوع أن تلبسه أمام أخيها، قد تبدو الأم أمام ابنها بثياب غير منضبطة، الأخت أمام أخيها، البنت أمام أبيها، فهنا المعنى الثاني للآية: الغض، غض البصر عن المحارم بحيث لا يتّبّع خطوط الجسم ولا بعض ما ينبغي أن يكون مستوراً.
المعنى الثالث؛ عندنا غض بصر عن بعض النساء اللواتي لا يحللن لك، لا يحل لك أن تنظر إليهن، الأجنبيات، بالمقابل لك أن تنظر إلى محارمك، عندنا غضّ بصر نوعي، لو نظرت إلى محارمك ينبغي ألا تدقق في التفصيل، عندنا غض بصر زمني فجأةً وجدت نفسك أمام امرأة، النظرة الأولى لك والثانية عليك، فهذه مراتب غضّ البصر، ثلاث مناح؛ نوع غضّ بصر زمني، وغض نوعي، وغض جنسي، أي جنس النساء يجب أن تغض البصر عنهن، مباح لك أن تنظر إلى محارمك هكذا. 
قال: النظر المُحرم النظر إلى العورات وهي قسمان؛ عورةٌ وراء الثياب، وعورةٌ وراء الأبواب، النظر إلى باب مفتوح، إلى نافذة مفتوحة، هذا أيضاً فيه تحريم.
 

للإسلام آداب دقيقة جداً:


النبي عليه الصلاة والسلام قال: من نظر إلى جاره من دون إذنه ففقأ عينه فلا شيء عليه، هكذا ورد بالحديث، العلماء لهم في هذا الحديث شروحات لطيفة: هو لو فقأ عينه يحاسب، لكن لبيان عِظَمِ حقّ الجار، لو إنسان نظر إلى جاره من ثقب الباب، يقابله المنظار، أحياناً يكون في البيت منظار، الابن يستخدمه ليرى الجار البعيد، يوجد نافذة مفتوحة، نافذة في الليل مفتوحة يستخدم المنظار لعل بها امرأةً تخلع ثيابها مثلاً، هذا أيضاً محرم تحريماً شديداً، الإسلام فيه آداب دقيقة جداً.
فقال: العورات نوعان؛ عورة وراء الثياب، وعورة وراء الأبواب، يقاس على عورة وراء الأبواب استخدام المناظير، لذلك بعض الحِرَف تكاد تكــون محرَّمة، الذي يربي الحمام أين يجلس؟ على السطوح، ومن كان على السطوح كشف عورات المسلمين.
 

عبادة الذوق:


قال: عبادة الذوق تناول الطعام والشراب عند الاضطرار إليه وخوف الموت، فمن ترك الطعام والشراب حتى ماتَ مات عاصياً، قاتلاً لنفسه.
وقد قال بعض العلماء: مَن اضطر إلى أكل ميتةٍ فلم يأكل حتى مات دخل النار.
الميتة محرمة، لكن أنت حياتك مقدمة على هذا التحريم، فمن اضطر إلى أكل ميتة ولم يأكل دخل النار، كأنه قتل نفسه، والنبي عليه الصلاة والسلام في بعض أحاديثه يقول: من ركب ناقةً حروناً ومات مات عاصياً، من نام على سطحٍ غير مسوَّر ووقع فمات مات عاصياً، الإنسان لو نزل من سيارةٍ عامة، وهي تمشي وماتَ مات عاصياً، فإن ركبت مركبةً ولم تُراجع مكابحها قبل أن تسافر، ومات الإنسان مات عاصياً.
 

الدين منهج كامل وتفصيلي لكل حياتنا:


الإسلام دقيق، حياتك ليست ملكك، حياتك ملك أهلك، وملك زوجتك، وملك أولادك، وملك المسلمين، وجسمك أمانةٌ في عنقك، مثلاً تجد مأخذاً كهربائياً بالحمام، شدة تياره مئتان وعشرون، وابنتك تدخل الحمام حافية القدمين، وفي الأرض ماء، هذا التيار مع إنسانة تمشي على أرض الحمام بلا شيء وهناك ماء هذا التيار قاتل، وكم من إنسان مات بصعقة كهربائية بسبب ماس كهربائي، يجب أن تنبه أن هذا التيار مميت، نبه أهلك، كم من حادث مدمر سببه عدم التنبيه، يسمونه: أخذ الاحتياطات، أخذ وسائل الأمان، هذا من الدين، مرة وجدت مآخذ كهربائية كلها مغلقة، من أجل الأطفال الصغار، هذا أب واع جداً، هناك شيء غير منضبط، هناك ماس كهربائي، هذا كله يسبب حريقاً أحياناً.
سمعت عن امرأة قبل أشهر ذهبت إلى سهرةٍ، وتركت ابنتها نائمة، هي كانت تدرس، يوجد شمعة، فلما ذابت الشمعة أحرقت ما على الطاولة من قماش، القماش احترق وأحرق البيت كله، جاءت من سهرتها رأت ابنتها ميتة، والبيت كله محروق، الإنسان حينما يُهمل يحاسب حساباً شديداً.
أيها الإخوة؛ هذا الدين منهج كامل، منهج تفصيلي لكل حياتنا، إذا الإنسان تيقَّن أن هذا الدواء فيه شفاء ولم يأخذه مات عاصياً، تناول الدواء الذي يغلب على ظَنِّك أن فيه الشفاء أخذه واجب، إذا ظنّ الشفاء به فهو مستحب، إذا تيقّن الشفاء به فهو واجب، أما الشيء المحرَّم أن يشرب الإنسان ما نهى الله عنه كالخمرة والسموم القاتلة، هذا فيما يتعلق بالذوق أو الطعام والشراب، أما المكروه قال: ذوق المشتبهات، أي هذا الطعام ليس حلالاً، إنسان دخله كله حرام، إذا كان بعضه يوجد حكم، أما كله يوجد حكم ثان، الأكل فوق الحاجة، ذوق الطعام دون أن تريد أن تشتري من عنده شيئاً، وجدت مشمشاً ناضجاً أخذت واحدة وأكلتها، كم الكيلو يا أخي؟ بعد أن أكلتها وليس في نيتك أن تشتري، هذا يحدث، قال لي إنسان اشترى لبناً، قال له: أذقنا إياه، وضع له كمية قريب الوقية شربهم كلهم ثم قال له: السلام عليكم.
 

الأشياء التي تجرح العدالة:


العلماء قالوا: هناك أشياء تجرح العدالة، منها أكل لقمةٍ من حرام، منها تطفيفٌ بتمرة، هي أشياء لطيفة جداً، منها أن تمشي حافياً، منها أن تبول في الطريق، منها أن تأكل في الطريق، منها أن تتنزَّه في الطريق، طريق فيه نساء كاسيات عاريات ممنوع التنزُّه في هذه الطُّرُقات، منها صحبة الأراذل، منها مَن أطلق لفرسه العِنان، الذي يقود مركبته بسرعة عالية هذا يجرح عدالته، منها مَن قاد برذوناً، منها مَن كان حديثه عن النساء، منها مَن صحب الأراذل، صحبة الأراذل تجرح العدالة، منها من علا صياحه في البيت فسمعه الجيران، تُجرح عدالته، فتطفيفٌ بتمرة، أكل لقمة من حرام، صحبة الأراذل، البول في الطريق، التنزَّه في الطريق، الطعام في الطريق، الأكل في الطريق، الحديث عن النساء هذا كله يجرح العدالة، منها أن تأكل طعاماً فيه شبهة، يقول لك: كنا بالحج وجدنا بيرة بلا كحول، لا تشربها، ما قولك أستاذ؟ هذه العملية تحتاج إلى تحقيق، بيـرة بلا كحول، كلمة بيرة تكفي، فالمؤمـن من كلمة بيرة تكفي، لو كان هناك بحوث، أنت ابتعد، هذه شبهة ابتعد عنها، فالمؤمن يتقي الشبهات.
نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن تلبية دعوة المتبارِيَين، عزيمة لغير وجه الله، عملية استعراض، استعلاء، أحبّ أن يطلع الناس على بيته وعلى إمكانياته وعلى غناه، وجاء من الطعام ما لذّ وطاب، وقاعد باستعلاء، كُلْ، هذا الذي يتبارى مع أنداده ينبغي ألا تلبّى دعوته، أحياناً تدخل إلى مكان وهم يتناولون الغداء، والأكل قليل، استحوا وقالوا لك: تفضل، رأساً يجلس معهم ويأكل، الأكل إن شاء الله يكفيهم، هو دعاك حياءً، فإذا شخص دعاه أخوه حياءً ينبغي ألا يأكل ولو كان جائعاً، أما إنسان دعاك إلى طعام قبل يوم، هذا شيء طيب، أما إذا دُعيت إلى طعام حياءً، استحيا منك فدعاك ينبغي ألا تأكل، أحضر معه شطيرة تفضل؟ أعطني نصفها، هو لا تكفيه بمفرده، يجب ألا تأكل إذا دُعيت استحياءً، الأكل مع الضيف أكل مُستحب، أن تأكل مع الضيف، وأن تأكل أكلاً يعينك على طاعة الله، لذا يُمنع صوم يوم عرفة، لماذا؟ من أجل أن تستعين بالطعام على كثرة الدعاء والذِّكر.
أيها الإخوة؛ أرجو الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا من هذه الدروس التي تبين مفهوم العبادة بشكل تفصيلي.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور